الاثنين، 16 مايو 2011

آه يا براح عمال بيضيق !!


أصدق أن ذاكرتي لم تعد تتسع للحاضر وبالتأكيد لن تستوعب المستقبل، وأجزم بأن الماضي يمر كالأطياف بذاكرتي وأتمسك فقط بما أريد إسترجاعه. وأحاول كثيرًا ألا أنبش بين خبايا الذاكرة لأتذكر شيئًا رميته بنفسي في سلة المهملات بطرف عقلي.. لا أعلم لم يتسرب التركيز والذكاء من عقلي وقت العمل فلا أجد الكلمة المناسبة للترجمة!! أظل أبحث وأبحث، وتذهلني قدرتي على النظر لكلمة معينة وأخبر نفسي بثقة أنها ليست صحيحة، تلك الكلمة خاطئة تمامًا، ثم اكتشف بعد ذلك أن الإدراك بعقلي كان في مستوى الصفر والكلمة أبسط مما يجب. تُرى هل سأصاب بالزهايمر؟
هناك ذاك اليوم.. لا أعلم متى وكيف تبدأ كل المشكلات والمواقف والآلام بالتجمع والظهور والتنغيص على عيشتي ولكنه يكون يوم عالمي. يؤلمني كل شيء. كل كلمة أسمعها. كل ذلة لسان. كل خطأ. كل فشل. كل ندم. كل قرار متسرع. كل شخص. كل مكان. لا أملك هذا الكم الهائل من القوة للقذف بكل تلك الأشياء بعيدًا. أكتفي بأن يرتفع ضغطي. هناك يوم أخر أو أيام متتالية.. يوم لا يَحتسبه عقلي .. أشعر أن عقلي في تلك الفترة يتوقف عن عد الأيام ثم يتخطاهم دفعة واحدة كأنني ابتلعني ثقب زمني.. فأستيقظ تائهة كرائد فضاء في المريخ وأنتهى دون أن أدرك منهم شيئًا .. هذا اليوم لا يمر كالحلم أبدًا .. وليس طيفًا كذلك .. هذا اليوم يمر كالكابوس. هل تُفكر أن تزورني أيها الصداع؟


*ساح يا بداح يا سؤال جراح .. ما الذي كان ومعدش وراح؟*

أكون طبيعية للغاية، أضحك.. أتكلم.. أتعامل بتلقائية وأُحب الحياة، أتكلم مع زميلتي في مكتبها المجاور لي وهي تضغط على لأسمع معها أغنية عبد الحليم وهو يكتب جوابه وتحرك شفتاها مع الأغنية "حبيبي الغالي".. تنصحني بالتركيز لسماع صوت القلم أو الأستيكة. أضحك من أعماق قلبي. أنظر لشاشة الكمبيوتر وأحاول التركيز.لا أستطيع! .. أرفع رأسي لأنظر لوجهها فأشعر بأن الغرفة دارت بي ولا أرى وجهها جيدًا لأنه أصبح منيرًا بشكل مستفز.. ساطع لدرجة مريضة. أخبرها بخفوت:"الغرفة بتلف بيّ". تضحك وتظنني أدعي؛ أتشبث بمحاولات لرؤية وجهها. أريد فقط أن أراه، سأعلم أنني بخير وأنني سأكون أفضل وأن لا شيء سيحدث إذا رأيته بوضوح.
يبدأ النبض بعقلي، ولا أرى وجهها تمامًا. فأتجه لأنظر لأي شيء وكل شيء لأتأكد، يصيبني الهلع لرؤية الأضواء المزجزجة بعيناي تنطبع على كل شيء تقع عليه عيناي وتبدأ في التوسع وتكبر لتحجب رؤيتي. أذهب لرئيسي في العمل وأنا التمس طريقي كالعمياء وأخبره أنني لا أحتمل الوجود في هذا المكان. كل شيء يضغط على أعصابي. سأنهار. أريد الرحيل.


*قمر انطفي؟ .. وانكفي واختفي*

يجلسني رئيسي كالتلميذة أمامه ويخبرني بتهكم: "عاوزة تمشي عشان صداع بقى" .. أحاول أن أجد الكلمات المناسبة للدفاع عن نفسي لكن لا أجدها ويخذلني لساني الأخذ في التنميل. أرفع يدي اليمني وأتحسس وجهي الذي فقدت الإحساس به تمامًا، وهنا أعرف أن التنميل سيزحف على باقي جسدي قريبًا ولن أستطيع التحرك. أحاول التماسك وألا أصرخ في وجهه أنني داخليًا غير ما يبدو عليه جسدي. لكنني أحاول أن أنظر إليه فقط. أحاول أن أجد وجهه المختفي وسط بقعة كبيرة من النور. أخبره أن الأمر أسوأ مما يظن، و"ده مش صداع عادي". تبًا أنا لست في حالة تسمح بشرح مرضي. يهز كتفيه. أحاول إقناعه بصوت مضطرب كي يشفع لي تكاسلي و"دَلّعي" من وجهة نظره. أجد فرصة طفيفة في تفسير نفسي ويسمعني ولكنه لا يصدقني. عندما يسمع أنني أتحسن قليلًا بالنوم، يخبرني مازحًا "خلاص هاسيبك تنامي على المكتب المرة الجاية".
*نهر ما بلش حتي الريق .. وآه يا براح آه يا براح .. عمال بيضيق*
ارحل. اتألم. اتخبط في طريقي. آنُ. أبكي. أنام. أستيقظ.. لا أحتمل. أصرخ. أغتاظ لأنني كنت أضحك ولا أشعر بشيء وكل شيء كان على ما يرام. استيقظ. اشرب. اتقيأ. أبكي كثيرًا وأخبر الله أنني أتوسل إليه أن يعفيني. رأسي مثقلة بوزن لا أعرفه. أنام. استيقظ. تحتضنني أمي وتدعو لي. أنام . استيقظ. أفتح عيني على ظهيرة يوم جديد. عشرات المكالمات التي لم أَدري أنها أنارت شاشة هاتفي الصامت في حقيبتي الملقاة على أرض الغرفة منذ اليوم السابق. رسائل للاطمئنان. يوم جديد لمقاومة آثار ما بعد الصداع بعد أن مَر كل ما هو شاق. أحاول مواجهة اليوم. بمجرد أن أضع طعامًا في فمي. تبدأ هالة جديدة في الظهور، ألفظ الطعام بسرعة ولا أفهم كيف تبدأ نوبة جديدة في نهاية نوبة. أنا لم أتخلص بالكامل من النوبة الأولى. أحزن .. أهرب وأتكور على نفسي في غرفتي مرة آخرى.
كم أريد لو اغرق أحزاني وآلامي في كوب من الشاي واقلب ببطء شديد بحركات متناغمة ثابتة كالتنويم المغناطيسي؛ في محاولة لإصلاح ما أفسدته الحياة، وفي محاولة لاستبدال عدم كفاءة عمل أي مسكنات للآلام في قتل أوجاع رأسي على الإطلاق، وفي محاولة لفهم كيف تسرب التركيز من عقلي وأصبح به ثقب كبير، وكيف أصبحت أريد أن أبكي كثيرًا وأصبحت روحي هشة للغاية، وكيف أصبح كل شيء ثقيلًا على الروح أكثر مما يجب وأكثر مما يمكنني تحمله.


*صُبح وزيه الصُبح التاني.. ليل ملضوم في الليل التاني
وأنا مش رايح أنا مش جاي.. أنا مش واقف حتى مكاني*

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

عمرك ما كنتي لوحدك يا سارة و لا عمرك هتكوني و متقلقيش البراح مسيرو يوسع تاني

SaraH FaraG يقول...

مستنياه بجد
يارب !!