الجمعة، 10 يوليو 2020

أنه هو أضحك وأبكى


لينا أو لينة يعني نخلة صغيرة.. في ميدان بعد بيتنا بشوية فيه نخل صغير كتير.. كل ما بأشوفه بافتكر كل اللي حصل وبأفتكر أن ربنا كرمني ببنت إسمها لينا وأخدها مني تاني في حكمة لا متناهية ممكن ماقدرش أفهم ليه طول حياتي كلها. الوفاة حصلت في رمضان وناس قالولي أنها رحمة من ربنا.
المعالجة النفسية كانت دايمًا تسألني مع نوبات القلق والخوف من التصرف.. إيه اسوأ ما يمكن حدوثه وإيه أفضل ما يمكن حدوثه؟
من أول ما عرفت أني حامل من أول مرة وأنا عندي مشاكل صحية خصوصًا هاتمثل لي صعوبات في الحمل وبيكون الحمل مصنف "ذي خطورة عالية". محتاج متابعة بإستمرار وبشكل دوري وأكثر من الحمل العادي. ايه اللي بيحصل؟! بأعرف أني حامل، فتلقائيًا باتحط على مود راحة في السرير وراحة للحوض ومثبتات وحقن للسيولة كل يوم. على الشهر الثالث لازم اعمل عملية ربط وتزيد راحة السرير وقلة الحركة ومفيش سواقة ومفيش ضغوط ومفيش قلق. لكن أنا قلقانة. دايمًا قلقانة وخايفة إيه ممكن يحصل.
لما كنت حامل في لينا، قبل الشهر التالت مريت بتجربة إجهاض منذر. كنت مبسوطة أوي اليوم نزلت رحت الكوافير واهتميت بشكلي وظبطت حواجبي ولبست كويس ورحت المدرسة أجيب محمد. قولت لنفسي المرة دي عاوزة أكون حامل جميلة وواخدة بالها من نفسها. المرة دي عاوزة اكون متفاءلة. قعدت اصور نفسي بشكلي الجديد وهدومي البرتقالية الجميلة. بس فجأة وبشكل قوي حسيت بألم كبير في جنبي الشمال. وجع زي آلام الدورة بالظبط. وبعدين وقت. لقيت الساعة جت 2 ونص فكان لازم انزل من العربية وادخل اجيب محمد. قفلت العربية ومشيت مشيت بشكل عادي، ولا بأجري ولا مستعجلة بس زي ما تكون حاجة انفجرت جوايا واندفع كمية سائلة كبيرة من تحت.. للحظة شكيت قولت مش حاجة لكن اندفاع السائل خلاني عرفت أنه دم وخصوصًا لما بدأت تنزل كتل. أنا في اللحظة دي اتصدمت وكنت زي المجنونة باجري في كل حتة بأدور على حمام اتاكد فيه. وكل اللي بأفكر فيه أن خلاص أنا فقدت الجنين. ده إجهاض. رحت لحد الحمام ولقيته مقفول فرفعت هدومي عشان اشوف البنطلون الجينز لقيته نبيتي وده معناه أنه دم فعلًا. مقدرتش أمسك نفسي وقعدت اعيط. انهرت وخليت واحدة أعرفها تستلم محمد مكاني. رحت جري على العربية وأنا منهارة من العياط وباتشحتف. وكل اللي بأفكر فيه. ليه يارب دلوقتي وليه هنا قدام الناس. مكنتش عارفة أسكت ولا ابطل عياط. طيب أنت بتعاقبني يارب عشان مكنتش عاوزة أخلف تاني. بس أنا رضيت والله.. قولت لو عاوزني أجيب أطفال تاني وترزقني مش هازعل. ولا ده عقاب يارب. قعدت في العربية أعيط وكلمت إبراهيم يجي ياخدني. مش قادرة انسى خوفه عليا اليوم ده واضطرابه لما وصل وشافني في الحالة دي.
مكنش ينفع اروح المستشفى غرقانة في دمي كده.. روحت البيت وطلعت عشان أغير هدومي. لقيت كمية دم كبيرة جدًا وكتلتين. جت لي صدمة لما شفت منظر الدم مكنتش قادرة اتحرك واتشطف والبس هدوم جديدة. معرفش اتحركت ازاي بعد كده.
الطريق للمستشفى كان طويل اوي.. كأنه مليون سنة. عاوزة أعرف أنا سقطت فعلًا ولا حصل لي إيه.. البيبي خلاص مات كده ولا فيه أمل. بس فضلت طول الطريق أفكر أكيد فيه أمل. ممكن ميكونش البيبي مات.
في المستشفى كنت بأعد الوقت عشان أعمل السونار.. أرجوكم دخلوني اعمل السونار. الدكتور حسسني أن مفيش حاجة متقلقيش بس كنت قلقانة!!
إيه أفضل ما يمكن حدوثه؟
أن البيبي يفضل عايش وفي مكانه وكله تمام
إيه أسوأ ما يمكن حدوثه؟
أنه يكون مات خلاص وده إجهاض
دخلت لغرفة السونار... وكنت خايفة مرعوبة وحاسة بإحساس لا يوصف من كتر القلق. كأن كل حاجة جوايا بتتهز. الدكتورة فضلت ساكتة كتير بس مقدرتش اسكت قولتلها طمنيني أرجوكي. فقالتلي هو إيه كان حصل أصلًا؟ رديت وقولت لها "نزيف دم وكتل بس توقف" فقالتلي ماتخافيش البيبي بيلعب أهو واسمعى كمان قلبه. إحساس الراحة ده كان جميل. ممكن أفضل طول العمر أحب أحسه طول الوقت. إحساس أن الأسوأ محصلش فدلوقتي ممكن اقدر اقبل أي حاجة تانية مهما بلغت من السوء.
بس طلع النزيف مصدره غير معروف ولا أسبابه واضحة بس ممكن بسبب فصيلة دمي السالبة والجسم عاوز يطرد الجنين. الدكتور كتبلي الحقنة وحددلي معاد عملية الربط بعد توقف النزيف مباشرة.
عملت العملية ومن اللحظة دي لكل شهور الحمل كنت حاسة بإنتصار. البيبي مامتش، عايش وكويس وصحي ومعرفش لسه جنسه لكن بيكبر كويس وقلبه كويس وجمسه وكويس ومفيش تشوهات. إيه كرمك ده يارب!! ومن اللحظة دي عمري ما فكرت أبدًا أن أسوأ ما يمكن حدوثه أن البيبي يموت. ماهو لو كان هايموت كان مات وقت الاجهاض المنذر.
لكن ربنا كان شايلي مفاجئة جديدة، حتى برغم أن نموها حبيبتي كان متأخر شوية، شوية بسيطة مكنتش خايفة. طلعت بنت. حلمت أني أعملها حاجات كتير اوي. كنت بأفكر هاسرح شعرها ازاي. يارب يكون شعرها مفرود وناعم عشان ميتعبنيش. أنا أصلًا مبعرفش اسرح شعري. قعدت أمني نفسي بليالي الصداقة والرغي والفطار والونس والحب والأحضان. قعدت أحلم بالقبلات الناعمة واللمسات الرقيقة والكفوف الصغيرة واللون الوردي.. الكثير والكثير من اللون الوردي. حتى لما كنت اشتريت السرير خلاص بلون أزرق زعلت واحبطت.. كان نفسي تنور سريرها الوردي ونعمل مملكة خاصة بيها.
لحد أخر لحظة كان أكبر همي وخوفي أنها تتولد صغيرة أوي وتدخل حضانة زي أخوها.أو أنها تكبر تورث مني الصداع النصفي. ومكنتش عاوزة أشوف حد في ولادي عيان زيي. قلبي هايتقطع عليهم كل يوم.لكن كان إيه أفضل ما يمكن حدوثه؟.. تخرج معايا في حضني من أول يوم. أخدها وأخرج وماضطرتش أبدًا اسيبها ورايا في المستشفى.
أنا كنت قلقانة أوي.. قلقانة وتعبانة من كل الألم وقلة الحركة والتورم ومنع الملح الكامل.. مكنتش بأنام كويس خالص كل مفاصلي بتوجعني مفاصل الحوض وظهري وجنبي. كانت ممكن تيجي لي شدة في ضهري  ورجلي تخليني معرفش أنام على جنبي خالص. بس كنت بأحاول وأنام نوم متقطع. لكن فيه أيام مكنتش بأنام فيها خالص والأيام كانت متصلة ببعض من غير فواصل.. كان شعور مرهق أوي بس هي وجودها جوايا كان بيسعدني لما كانت تصحى وتتحرك وتلف ورأسها تطلع عن مستوى بطني كأنها بتعرفني أنا هنا يا ماما. أنا جوا وصاحية وبألعب. كانت نشيطة اوي عن محمد وهو جوايا. كنت مختارة لها أسم "ميسون".. كنت اتكيفت عليه لحد ما الناس اللي حوالينا عرفوا بيه واتريقوا وتنمروا واجبرنا نغيره حفاظًا على نفسيتنا ونفسيتها أن نحميها من التنمر والرخامة. فضلنا نقلل الاحتمالات لحد ما استقرينا على أسم "لينا". بس مقولناش لحد عشان كنا عاوزين نريح دماغنا بقى. لينا إبراهيم محمد عبد الله. إبراهيم فرح أوي لما شاف اسمها جنب أسمه في صورة عملتهالهم سوا. قعدت حضرت صور للترحيب بيها عليها أسمها وصور طفولية وردية جميلة. بعتهم لإبراهيم عشان مينساش ينزل بوست ترحيب بيها لما تيجي بالسلامة.
يوم 25 إبريل كان يوم عادي جدًا من الأكل اللي مفيهوش ملح والتعب والمذاكرة لمحمد وكان تالت يوم رمضان. سهرت للفجر وصليت الفجر وقريت جزء من القرآن ودخلت أنام. إبراهيم كان جاي تاني يوم الصبح يوم 26 إبريل عشان يديني حاجات جابها لـ"لينا". بس أنا مكنتش قادرة أنام من بعد الفجر، مش مرتاحة نهائي على جنبي. حاولت بكل الأوضاع فشلت أنام. الساعة 7 الصبح إبراهيم جه وفتحت له اداني الحاجات وقاللي مالك قولتله أنا بس تعبانة شوية مش عارفة أنام كالعادة. مكنش فيه حاجة مختلفة عن وجع كل يوم اللي بيمنعنى أنام، وجع تمدد المفاصل وتليين أربطة الحوض زي ما الدكتور كان بيقولي هايروح لما هي تتولد. فقولت مفيش حاجة تستاهل الشكوى. إبراهيم مشي وأنا دخلت الأوضة حاولت أنام معرفتش، بس غريب أوي الألم عمال يزيد .. ألم مش مريح. مش عارفة أنام على ولا أي جنب ولا قادرة اقعد ولا قادرة أقف. روحت لأختي قولتلها رحاب أنا تعبانة أوي مش عارفة ارتاح. قالتلي طيب تعالي نامي جنبي هنا. مددت جنبها وحاولت أنام لكن مفيش فايدة مش عارفة أمدد جسمي بشكل مريح على السرير. قمت قعدت الف في الشقة وكلهم نايمين كانت الساعة بقت 8 وبدأت أفكار غريبة تدخل دماغي زي، "هي دي ولادة ولا إيه؟!" "هو ده وجع الطلق!!؟" "طيب النهاردة كام كده.. 26 إبريل ممم تاريخ غريب بس بدري أوي" "ده أنا لسه قدامي أسبوعين على المعاد بتاعي" "هو لو اتولدت في الثامن كده فيه مشكلة؟!" "هاتدخل حضانة زي محمد برضه وممكن تقعد أكتر من محمد." كنت خايفة فعلًا أسوأ حاجة لو ولدت دلوقتي أنها هاتدخل حضانة زي محمد وهاتطول. بس من كتر الألم مبقتش حتى قادرة افكر ودخلت لأوضة ماما صحيتها، هي اتخضت جدًا بس قعدت تقولي ده مش وجع طلق، بعدين ده بدري اوي.. هو الكتور قالك أخر مرة ايه. الساعة 8 وربع بعت للدكتور اقوله ووصفت له الوجع. بس وقفت لماما وقولتلها أنا مش قادرة استحمل ورجلي متشنجة وضهري واقف وحتى لو مردش عليا انا هاروح المستشفى. قالتلي طيب خلاص البسي نطمن مش مهم أي حاجة بس نطمن أن مفيش مشاكل. دخلت الأوضة عشان البس وكل اللي كنت بافكر فيه ما هو إبراهيم كان هنا من بدري كان زمانه وداني. وأنا واقفة كده بملابسي الداخلية حسيت أن عاوزة اعمل بيبي ومحتاجة ادخل الحمام. دخلت الحمام بالعافية مكنتش قادرة اتحرك من الوجع. مجرد ما قعدت حسيت بحاجة بتنزل مني. حطيت ايدي كده اشوف لقيت دم .. فوطيت عشان ابص قام انفجر كمية دم سايلة رهيبة غرقت الحمام ومبقتش عارفة اقوم من كتر سيلان الدم. هاوقف الدم ده ازاي. نزيف نزيف كتير اوي.. ندهت لماما بسرعة واتخضت قالتلي يا سارة دي ولادة أنا هاصحي أبوكي... حطيت فوطة بسرعة وقمت. دخلت عشان البس فقعدت عشان ادخل البنطلون في رجلي.. قمت مغرقة السرير دم.وهدومي دم بس خلاص أنا مش عارفة اوقفه وهايغرق كل حاجة. لبست كل حاجة مكرمشة وأي كلام واخدت شنطتي وخرجت. بعدين رجعت الأوضة تاني كنت نسيت شنطة هدوم المستشفى. فجيبت شنطتي بس واتصلت بإبراهيم قولتلته أنا جالي الطلق وبأنزف تعالى بسرعة، فكرت أن لينا جاية بدري وداخلة حضانة خلاص، هاجيب شنطتها ليه، لما يحتاجوها هاجيبها. نزلت ركبت في العربية لحد ما البواب يخرجها من الجراج. من اللحظة دي واللآلام اللي بأحس بيها زادت ببشاعة. الطلق كان شديد اوي مكنتش قادرة اتنفس.. عمري ما تخيلت أن ممكن وجع في العالم يخليني آان زي الصداع النصفي، بس طلع فيه ألم اقذر واقوى لدرجة الصريخ. لما ماما نزلت وركبت العربية قالتلي يا سارة ده أنتي طلقك حامي جدًا.. قولتلها معرفش والله معرفش بس مش قادرة. في وسط كل الوجع ده بابا يزعقلي عشان قولت لابراهيم يجي وإزاي وكان لازم اسيب جوزي في شغله. والله ما كنت قادرة حتى ازعل من كلام بابا. أنا كنت من كتر الوجع في عالم تاني.. بدأت اترعش واتلج وأحس أن الدنيا حواليا مش طبيعية. احنا وصلنا المستشفى في وقت قياسي تقريبًا ربع ساعة. وبسبب موضوع الكورونا اتأخرت في دخول الطوارىء ربع ساعة كمان والساعة خلاص داخلة على 9 الصبح. لما دكتور الطوارىء شافني بانزف وعندي طلق خلاهم يدخلوني بسرعة بعيد عن منطقة كشف الكورونا. دخلت وبدأوا ياخدوا معلوماتي وأنا مش قادرة اتكلم... أنا باعيط وباتشحتف وبأتألم ومش قادرة اصلا اقعد على الكرسي المتحرك. بس كل حاجة كانت كويسة.. ضغطي كويس.. سكري كويس.. سحبوا مني عينات عشان التحاليل ولما لقوني بأنزف بعتوا يحضروا لي أكياس دم. بس من كتر التعب كنت حاسة أني باهبط. أنا حاسة أني بموت.. الدنيا مشوشة في نظري ومتلجة جدًا وباترعش والوجع كان رهيب خلاص لا يُحتمل. زعقت وصرخت في الممرضة "يا ستي طيب اديني مسكن بس لحد ما تشوفوا هاتعملوا ايه في السونار". قالتلي "يا حبيبتي مينفعش أنتي بيحضروا لك العمليات".. لما سمعت الكلمة اتخضيت يعني خلاص هي هاتتولد فعلًا النهاردة. وكأني كنت بأكذب نفسي وبأكذب الآلام دي. حركتني وقالتلي وهي بتحرك الكرسي: "دكتورك مش هايعرف يجي هو تعبان وبعيد كمان، هاندخل العلميات كده متخافيش بعتوا يجيبوا لك استشاري". طلعوني فورًا اوضة التحضيرات قبل العملية وطول الطريق كان دكتور طوارىء النسا بيسجل مني أي معلومات يقدر يجمعها مني في الحالة دي. وصلت اوضة التحضيرات ونمت على السرير وراحوا يجيبوا الجهاز اللي بيسمع النبضات وسونار. والممرضة بدأت تقلعني بنطلوني وملابسي الداخلية اللي كان لازقة عليا من كتر الدم. خلاص أنا فكرت هي هاتتولد خلاص كده، الحمد لله يا رب على كل حال.. بدري بقى أو متأخر خلاص. الحمد لله الحمد لله. بدأت الممرضة تحط الجهاز على بطني وقالت رقم فالدكتور قالها لا مستحيل ده أكيد نبض المدام مش البيبي. فجأة كانوا صامتين اوي ... كل حاجة بقت صامتة. كأني مكنتش سامعاهم بيتكلموا وشايفة ماما بقها بيتحرك وبتقوله حاجة زي "البيبي طيب كويسة؟!" .. بصيت لوش الدكتور ومبيتكلمش. بس أنا عرفت. أنا خلاص عرفت.. لينا ماتت. الدكتور قاللي أنتي فاكرة أخر مرة كانت بتلعب امتى.. يا مدام ردي. قولتله الفجر مثلًا كانت بتلف  كده. مش عارفة بس هي كانت بتلعب بالليل عادي جدًا أنا فاكرة. دخل دكتورين كمان وحطوا السونار على بطني وقعدوا يشاوروا ويتكلموا بالانجليزي وسمعت حاجات كتير أكدتلي. بس انا مكنتش قادرة افكر وكالعادة لما بيحصل لي مصيبة أنا حقيقي بأبلم. فضلت متنحة باتفرج عليهم وعلى عينين ماما. والطلق يجي ويروح وباصرخ وجسمي كله يتشنج. الدكتور قام قايلي معلش لازم نعمل كشف نسا.. قولتله بس انا عاملة ربط لعنق الرحم.. قاللي متخافيش وكان من أوحش التجارب اللي مريت بيها. كشف النسا ده. ميتوصفش من بشاعته وخصوصًا وأنا بانزف. قال للممرضة خلاص لبسيها الجاون والبونيه. ماما يا عيني كانت خايفة اوي وقعدت تسأل كل شوية طيب البيبي حصلها ايه. قمت مسكت ايدها وقولتلها "لو نصيبي هاخدها يا ماما لو مش نصيبي خلاص.".. أنا لحد اللحظة دي معرفش ربنا صبرني وثبتني وقت المصيبة نفسه إزاي. لبسوني بالعافية وبعدين دخلت ماما معيطة وعينيها حمرا.. خلاص عرفت أنهم قالولها ومسألتهاش مالك. كانت بتعاملني كأن مش لازم أعرف. بس هي مش متخيلة أني عارفة. قالتلي يلا العمليات جاهزة الممرضة بس بتجيب الكرسي. قولتلها لا أنا داخلة بنفسي.. وسندت على أي حاجة في سكتي وقمت وفتحت الباب لقيت بابا واقف برة.. قام مسك دراعي وحطه في دراعه ومشاني... الممرضة جت تجري أنتي ازاي تمشي كده.. اقعدي اقعدي وانا اقولها "خلاص مش مهم. أنا هادخل كده".. بس اتنين ممرضات صمموا وقعدوني. دخلت اوضة العمليات ومرضيوش يطلعوني على ترابيزة العمليات.. دكتور التخدير قعد يسألني اسئلة كتير .. قعدت ازعق واصرخ "حرام عليكم بقى خلصوني.. أنا تعبت"، وهو مصمم. أتاريهم كانوا بيماطلوا عشان إبراهيم مجاش لسه يمضي إقرار بوفاة الجنين قبل دخول الولادة. الدكتور كان بيكلم ابراهيم وبابا قاله "متقولوش أن البيبي ماتت .. عشان هو سايق بس."
طلعوني على سرير العمليات وشفت الساعة ديجيتال كبيرة أوي اوي محطوطة على الحيطة 10 وربع. الساعة عشرة وربع الصبح. دكتور التخدير مصمم يكمل اسئلة وأنا بافرفر من الوجع ودخلوا 3 دكاترة نسا مرة واحدة وقام واحد فيهم قاللي لازم كشف نسا تاني. دكتور التخدير عند دماغي وبيظبط الأجهزة وبيحطلي كل الأسلاك دي.. وأنا صرخت قولتلهم "لا لا مش قادرة حرام والله ... ما تخلصوني وخدروني حرام عليكم".. الممرضة مسكت رجلي وقالتلي "يا ماما لازم عشان يطمنوا على الربط ليكون حصل تمزق في عنق الرحم من الطلق." بس انا مكنتش قادرة والله ما كنت قادرة استحمل أكتر من كده كنت عاوزة اخلص من الوجع. مكنتش متخيلة في الدنيا وجع عامل كده. جسمي كله حرفيًا بيوجعني. والدكتور دخل ايده. وأنا زقيت نفسي بعيد عن ايده وخرجت برة سرير العمليات من فوق برأسي وبقى دكتور التخدير يزقني من كتفي يرجعني تاني وأنا حتى من كتر الألم مش فاكرة أنا وقتها كنت باصرخ واعيط بأقول ايه.. حقيقي مش فاكرة خلاص. دكتور التخدير بصلي من فوق كده وأنا نايمة وقاللي "خلاص هانت معلش خليكي معايا هنا بس قوليلي عندك مشاكل صحية فين تاني".. قولتله "عندي كلية واحدة" قاللي "يا سلام بجد.. طيب احكيلي عرفتي ازي"... فاتنرفزت وقولتله "ما خلاص بقى خلصوني والله تعبت أنت مش حاسس بيا" فقاللي "لا لا مش عاوزين الكلام ده".. وخلاص بقى بيحضر الماسك وممرض بيحضر حقنة كده.. وركبوا لي الكانيولا... فضلت أكرر " يارب قويني .. يارب قويني" قام قاللي "أيوة كده.. ربنا معانا".. قعدت اعيط ومكنتش قادرة اسيطر على أي حاجة فيا وقتها والمشكلة أن وجع الطلق ده لا يمكن الاعتياد عليه  ده ألم خرجني عن شعوري دكتور التخدير سأل الدكاترة "هانعمل ايه" فقالوا له "احنا هانفتح لحد ما دكتور فلان يجي.. بس هانعمل فك للربط الأول بعدين القيصري". فدكتور التخدير حطلي ماسك على وشي.. فضلت اشوح بوشي يمين وشمال واقوله "أنا باتخنق أنا كمان مش شايفة حاجة".. قاللي "ماتخافيش مش هاتشوفي حاجة خالص دلوقتي". كان البنج خلاص داخل ساقع حاسة بيه بيزحف لحد ودني وزوري وبعدها محستش بأي حاجة.
أول ما صحيت كنت على ترولي وممرضة بتزقني.. لما شافتني صحيت قالتلي "حمد لله على سلامتك والله.. ألف حمد لله على سلامتك. أنتي ربنا نجاكي. يا بنتي". ولقيت وش إبراهيم بيبص لي. أول ما دخلت مكاني في الإفاقة.. إبراهيم مسك ايدي وقاللي أنا كنت خايف عليكي اوي. قولتله "هي ماتت فعلًا صح.. معرفوش ينعشوها".. قاللي "هي ماتت من 3 ساعات قبل معاد العملية".
يعني الساعة 7 الصبح لما جه هو يشوفني. ماتت الوقت ده والطلق بدأ بعدها. قاللي "أنا لازم اسيبك أروح أخلص ورق الوفاة وتصريح الدفن".
سابني وفضلت لوحدي كل اللي كنت بأفكر فيه "هو كان ممكن الحقها ازاي".. "طيب هو أنا عملت حاجة غلط".."طيب هي ماتت بإيه جوايا.. إزاي ماتت". "طيب مش هاشوفها".
الممرضة جت اخدتني لأوضتي.. وأنا داخلة كده ونايمة على التروللي شفت السقف والحيطان عليهم أثار لزق قديم. ياااه كان هنا فيه حد فرحان بالنونو بتاعه وعامله حفلة استقبال جميلة. الممرضة دخلتني على السرير وقالتلي "حمد لله على السلامة يا مدام.".. استغربت ليه محدش بيتكلم عن بنتي ماتت ازاي. وليه محدش عزاني. وأنا معرفش كان مالي مسألتش. كنت متنحة ومصدومة ومسألتش خالص.
فضلت نايمة في الأوضة على السرير لحد ما ماما جت. قالتلي زيهم كلهم حمد لله على السلامة.. الحمد لله أنك قومتي بخير .. الدكتور بيقول عرفوا يسيطروا على النزيف ومحتجوش ولا كيس دم. والحمد لله أنتي زي الفل. قولتلها: "هي بنتي فين". سكتت قالتلي: "غسلتها أنا وإبراهيم وكفناها.. هو وبابا رايحين يدفنوها". قولتلها "يعني مش هاشوفها.. بجد خلاص كده حتى أحضنها طيب في كفنها كده". قالتلي: "لا لا عشان متتعلقيش بيها."
 بس أنا كان كل الوجع اللي في جسمي وحزني على موتها كوم .. وأني مشفتهاش ولا حضنتها كوم تاني. ألم من نوع تاني. ألم مفيش كلام يكفيه. انا كنت عاوزة اشوفها.. كان نفسي اعرف شكلها إيه حبيبتي.
قولتلها:" يا ماما ليه؟" .."طيب هي كانت كويسة" قالتلي "أه زي الفل وكاملة ومفيهاش عيب وكانت كمان وزنها كويس عكس ما الدكاترة توقعوا أنها هتكون ناقصة نمو.. دي أمورة أوي شبهك شفايفها رقيقة خالص وكان عندها شعر أسود وناعم نازل على وشها وحاطة ايدها على خدها."
أنا من ساعة ما قمت من البنج مكنتش عارفة أعيط. مش قادرة أعيط. اللي كان بيحصل ده فوق استيعابي..بس كنت بأقول "الحمد لله.. نصيبي كده. الله يرحمها."
ماما قومتني ودخلت الحمام عشان البس بقى واغير .. لما شفت بطني في المراية. أفتكرت أني لسة حامل. هي أكيد لسه جوا صح. لا أنا بيتهيألي. أوحش حاجة حصلت بعد موت بنتي والعملية وكل اللي حصل أني مبقتش قادرة أميز الحقيقة من التهيؤات. هو ده بيحصل حقيقي فعلًا؟ أنا بنتي ماتت فعلًا؟ يعني مفيش حاجة في بطني.؟ هو أنا بأحلم وبكرة هاصحى ألاقيني لسه حامل. هو أنا تعبت كل التعب ده والحقن اليومية واللبوس والوجع والربط عشان أرجع تاني لنقطة الصفر. Empty handed.. طيب لما هي كان مقدر لها تموت مماتش ساعة الإجهاض المنذر ليه؟ ليه فضلت أعاني كل ده. أفكار وأفكار فضلت محبوسة جوايا. وبأبص على الناس حواليا من ورا إزاز. إزاي الناس دنيتها ماشية كأن محصلش حاجة. إزاي فضلت أصحى كل يوم من النوم بعد العملية عندي إحساس أنها لسه جوا. أنا مضطربة عشان مشفتهاش. مش معقولة بجد. لا أنا مكنتش ناقمة ولا زعلانة ولا غضبانة. أنا كنت مش مصدقة. والله صابرة ومحتسبة بس مش مصدقة أن ده حصل, كل ده حصلي بجد.
اتدفنت لينا وبابا وإبراهيم جم بعد الدفن عزوني وقعدوا معايا.
هل كنت أعرف ولا فكرت أن أسوأ ما يمكن حدوثه هو موت بنتي. لا! عمري ما تخيلت.
بس عرفت أن كمان كان فيه الأسوأ من موتها. أني أنا كمان كنت أموت معاها. أنزف لحد ما اتصفى وخصوصًا بأخد حقن سيولة.
أنا ممتنة يارب عشان ادتني فرصة تانية أعيش.. عشان مخلتش إبني يبقى يتيم. عشان عرفتني أن محدش ضامن عمره وفي لحظة بتكون بتحضر للحظة سعادة وفرح وتقلب.
أول ليلة في المستشفى نمت وأنا قاعدة كده في السرير.. غفلت لوهلة وصحيت لقتني باضحك ومش فاكرة أني حلمت بحاجة .. بس فاكرة أني سمعت "إنه هو أضحك وأبكي". قعدت اقول لنفسي أنا مش فاكرة الآية دي من سورة إيه. أنا ليه تجيلي الآية دي في الحلم. فقعدت دورت وطلعت من سورة النجم. السورة اللي دلوقتي كل ما اسمعها أبكي وأعيط بصمت. عشان بتفكرني بلينا وموت لينا وبأننا كلنا لله وبإيد ربنا كل حاجة بتحصل. لا نملك في نفسنا شيء.
وإن إلي ربك المنتهى * وأنه هو أضحك وأبكي* وأنه هو أمات وأحيا *

ليست هناك تعليقات: