الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

كل شيء على مهل وروية أفضل



نهرب من حمى العمل والمسئوليات الروتينية اليومية في فسحة من الوقت لمنزل أبي الصيفي، نصل مبكرًا جدًا أحمل في يدي حقيبة ممتلئة بكتب بها كل توقعاتي عن كيفية قضاء صيفي لهذا العام. أنا أحب الصيف، لطالما يحمل لي الصيف ذكريات حميمية عديدة، في حين يذكرني الشتاء بالمدرسة والجاكت الثقيل والأصابع المحمومة المخيفة والمشروبات الساخنة ونزلات البرد. أشعر أن الناس لا يقدرون قيمة الصيف، قيمة التحرر من الثقل والغيوم والرماديات. قيمة الشمس والدفء والمشروبات المثلجة والأيس كريم والبحر. 
أمتننت كثيرًا لشراء أبي منزلًا صيفيًا. هنا سنصنع المزيد من الذكريات لنا ولأبناءنا وبناتنا. وضع أبي في كل ركن من البيت لمسته المفضلة، الكثير من اللوحات الفنية المؤطرة للورود .
في فترة تجهيز منزلنا الصيفي، شرعنا كلنا يدًا بيد ننظفه معًا، ونصنفر الحوائط وأبي يقوم بطلاءها جميعًا باللون الأبيض. كنا في نشوة غريبة حتى انتهينا من تجميع أخر قطعة أثاث ثم تساقطنا بعدها جميعًا في نوم عميق حتى اليوم التالي. 
كلما اتخذنا القرار بالسفر إلي هناك، أشعر بالراحة الحقيقية، فكل شيء هناك بطيء جدًا، استيقظ مبكرًا واحضر فطوري أجد الساعة مازالت أبكر من أن تقوم بأنشطة ما، على عكس ما يحدث في حياتي اليومية كل شيء يمر سريعًا، حتى أنني حينما أتجهز للدخول لمطبخي، أكون مندفعة بنفاذ صبر، أضع مريلتي وأرفع شعري وأضح الضنجرة على الموقد، أجري في كل أنحاء المطبخ محدثة جلبة شديدة، تطول يدي علبة الملح ولم أعد استخدم المعيار الصغير أو حس الطبخ لدي، صرت امسك حفنة ما وانظر إليها وألقيها دون أن أعيي هل هي مناسبة أم كثيرة أم هي ملح أصلا. المكرونة بصلصة السكر صارت غذاء رئيسيًا في بيتنا، يصيح بي إبراهيم "الصلصة مسكرة إزاي كده" أهاااا لابد أنني وضعت سكر بدلًا من الملح. ماذا على أي أفعل وطفلي يصرخ أو هناك مكالمة تتنظر الرد أو ميعاد وصوله قد حان أو أي شيء يحثك على ألا تكون بكامل تركيزك. لقد فقدت الكثير من تركيزي بعد طفلي الأول. ولا أدري ماذا سيحدث إن أنجبت الثاني.
نافذة مطبخ منزلنا الصيفي تطل على شارع واسع وصف عريض من المنازل الصيفية الأخرى التي ترصف الطريق حتى نرى البحر في نهايته.
حينما أقف صباحًا قبالة النافذة يأتي نسيم البحر بقوة محدثًا صخبًا خفيفًا في أذني، ذلك الإندفاع القوي ولكنه محبب الذي يلمس وجهي ويبعثر شعري ويتركني في حالة أشعر فيها كأن النسيم قد قام بدور الماء في غسل وجهي هذا الصباح.
من هنا، من هذا المكان بالضبط كل شيء يبدو أجمل، تقطيع الخضروات يبدو مهمة لطيفة وملهمة وتدعو للتأمل. غسيل الصحون يتحول لعملية منعشة برائحة عطرة صيفية. أخذ الوعاء العميق للتتبيل شرائح الدجاج وأضعه على الطاولة الجرانيت الموازية لحوض الصحون وابعثر التوابل كيفما أشاء فتهب نسمات الهواء معبقة برائحة التوابل والليمون، وقتها أشعر أنني أقوم بعملية تدليك "مساج" لصدور الدجاج المخلية، يمضي الوقت بطيئًا. لا عجالة هنا. لا شيء يحثك على الاستعجال والسرعة، لا تكات للساعات ولا مواعيد مؤجلة. هنا أسترخي تمامًا وأنا أغوص بأصابعي اداعب تتبيلة الدجاج موجهة عيني قبالة النافذة اتشمس واستمتع بالنسيم مغمضة العينين.
يحين موعد الغداء، فيأخذ إبراهيم أول قضمة من صدور الدجاج المشوية ويقول بإستمتاع "يياااااااااااه أجمل فراخ مشوية كلتها ف حياتي"
أبتسم بسعادة وبإمتنان لنسمات البحر وأردد بداخل عقلي أن حقًا "كل شيء على مهل وروية أفضل"

الأحد، 17 يوليو 2016

لم أعد أكره نفسي لتلك الدرجة!



أتذكر جيدًا كوب الشاي باللبن مع شطائر الجبنة القريش صباحًا قبل الذهاب إلي المدرسة وفي الخلفية يعلو صوت المذياع في غرفة أبي وهو يرتدي بدلته للذهاب إلي العمل "بالسلامة يا حبيبي بالسلامة .. بالسلامة تروح وترجع بالسلامة" ، ترتب أمي حقائبنا بلفائف بلاستيكية بها أربع شطائر متنوعة وتنتظر سماع بوق أتوبيس المدرسة لننطلق مسرعات في طريقنا. أتذكر أيضًا ميعاد الغداء في الرابعة عصرًا كل يوم، بعد عودة أبي من العمل. كانت لدينا طقوس محددة ومواعيد ثابتة في الفطار والغداء وأحيانًا للعشاء.
لكنني لا أذكر جيدًا متى اضطرت علاقتي بالطعام، أذكر فقط أنني كنت أرغب في إرضاء أبي في أكل ما يراه مفيدًا ومناسبًا عكس أخواتي فأطلب المزيد من الزبادي وأكواب اللبن واللحم والخضراوات. لا أنسى تلك المرة التي أردت أن أشعره بالفخر في مناسبة إجتماعية ما وكان المضيف يضع لنا المزيد من الطعام والمزيد من اللحم والمزيد من الأرز، تأففت أخواتي ولكنني ظللت أكل حتى لا يتذمر أو يخجل أبي منا. أنتهى بي الأمر بأن أتقيئ كل ما أكلته في الحمام بعدها بخمس دقائق. لا أعرف لِمَ لم أكتف يومًا بأن اوضح ما أحب وما لا أحب. كانت تعبر "دينا" بكل صراحة عن عدم حبها لكوب اللبن وإشمئزازها من طبقة القشطة المتكونة في كوب الشاي باللبن الساخن، كانت تبدي رغبتها الصريحة في عدم أكل اللحم الدسم، تعبر "منار" وبكل وضوح عن حبها للجمبري فقط ولن تأكل أي نوع مأكولات بحرية بجانبه على المائدة في حين لا تأكل "رحاب" أي ماكولات بحرية على الأطلاق ولا تشاركنا الطاولة ولا الغرفة حينما نأكل أي منها. لكنني كنت اخجل من إبداء رأيي.
ولظروف مرضي بالصداع النصفي اضطررت في عمر المراهقة أخذ حبوب كورتيزون، جعلت علاقتي بالأكل تتسم بالشراهة، كنت جائعة طوال الوقت. أكل كثيرًا وتزامنت تلك الفترة مع الثانوية العامة فكنت أجلس لأذاكر مطولًا وتزداد فرص الأكل أكثر. لم أشعر وقتها أنني أكسب كل هذا الوزن، لكنني حتمًا رأيته في أعين من حولي، في المدرسة، في العائلة، بين صديقاتي، في خزانة ملابسي. حتى أنتزعتني من جهلي كلمات أبي الصادمة "بنتي التخينة البقرة". نعم إنه يتحدث عني بالتأكيد!! وقتها انقشعت غمة الجهل والعمي التي لففتها حول نفسي كيلا أشعر بالحزن والشفقة تجاه حالي. محاولات أمي لشراء ملابس لي وحدي، كلمات من حولي أنني تغيرت وصرت أبدو أكبر سنًا بجانب "دينا". أصبحت أرى النظرات وقتها بشكل مختلف، لأن جملة أبي أيقظتني من غفلة ما لم أكن أدركها.
لم أدرك أن مشكلتي مع الطعام ستتحول لإضطرابات، أصبحت أجلس على طاولة الطعام وأكل قليلًا حتى لا يحكم أبي على كمية الأكل التي أستهلكها، ثم أصبحت أقلل من زياراتي للمطبخ كأنني أشعر أن أحدًا ما يراقب عدد دخولي للمطبخ. ظللت أستيقظ في منتصف الليل جائعة بشدة وأتسلل لأكل أي شيء قد يقابلني. وطورت عادة جديدة هي مراقبة عادات أقراني الغذائية، كم يستهلك أخواتي، كيف تاكل دينا، متى تأكل رحاب، لماذا لا تأكل أمي ليلًا. أصبحت مهووسة برؤية من حولي وكيف يأكلون. كل ذلك الوقت ولم أكن أعر إنتباها للرقم الذي كنت أزنه. قارنت صورًا لي في مرحلة الثانوية ومرحلة الكلية لأجدني لم أتغير كثيرًا، في الثانوية لم أكن بدينة للغاية وفي الجامعة لم أفقد الوزن المهول.
شابًا يخبرني أنه يود الإرتباط بي لكن سيكون الأمر أفضل لو فقدت بعض من الكيلوجرامات، شابًا أخر نتقابل بشكل تقليدي يخبر والدته أن وجهي كالقمر ولكنه يقف بجانبي فيشعر أنه إبني أو أنا كوالدته. تعود تلك الكلمات المعتادة "ياااه هو أنتي الأصغر، لأ بجد شكلك الكبيرة". أغلق باب تلك الترهات وأنخرط في العمل، أستلم مرتبي الشهري وأنفق ثلثيه على الطعام، أفطر صباحًا في المنزل، وأكرر فطوري مع زملائي وأشرب العديد والعديد من أكواب الشاي والقهوة، أتناول طعام الغداء مع زميلتي ونخرج لنشرب ميلك شيك وأعود للمنزل فلا أخذل أمي واتناول الغذاء التي أعدته بعناية. أسهر لأكمل عملي يرافقني العديد والعديد من الشاي والقهوة. وتتشابه الأيام.
تضطرني ظروف صحية لزيارة الطبيب الذي يخبرني أنه علي أخيرًا مواجهة الميزان، وقد حدث وكرهت ذلك اليوم وكرهت الطبيب وكرهت نفسي وكرهت كل ظروفي الصحية. ظللت لفترة طويلة في حالة الكره هذه حتى واجهت الأمر. وأخذت الخطوة المعتادة "رياضة + تظبيط أكل"، ثم دايت معتدل لخسارة ما تبقى من الوزن رغم أن أمي تحدتني منذ اليوم الأول أنني غير قادرة على إنهاءه. نعم شعرت بالراحة، وكنت أقفز على الميزان وأشعر بالفخر. لكنني لم أحل عقدي مع الطعام بعد. تزوجت لأجد أن الموضوع أبسط من اللازم وأنه يمكنني بكل سهولة فتح حلة المحشي الباردة القابعة بالثلاجة وأكل منها دون الشعور أن أحد ما يراقبني ويحكم علي. زوجي لا يراقبني وأنا أكل بل يشجعني على التلذذ بتلك اللحظات الثمينة من الشهوة ونحن نأكل حمام محشي أو صينية مكرونة أو حتى تشيز كيك. وجدتني لاحقًا من يندب حظه العاثر ويشعر بالذنب تجاه نفسه. أنا من كنت أراقب حالي. أنا التي أشعر نفسي بالذنب والكره والحظ السيء.
أدركت لاحقًا أن أبي يكره البدانة ولا يسمح لنفسه بأن يربي كرشًا صغيرًا أمامه، فجدتي ماتت بمرض السكري وبوزن مهول جدًا كانت بالكاد تتحرك. أبي كان يخشى البدانة، أبي كان يعرف جيدًا أنه لا يريد لي هذا الأمر. أدركت لاحقًا أن "دينا" حقًا تبدو أصغر سنًا ليس لأنني بدينة، كلا! فالألم جعل وجهي يبدو أكبر سنًا. الألام التي أحاربها منذ الثامنة مع الصداع النصفي جعلتني أكبر سنًا. أدركت أن شراهتي وأكلي الزائد منذ الصغر كان إرضاءًا لأبي وكان في كل جوانب شخصيتي وليس متعلق بالطعام فقط. أدركت أنني الأن لست في وزني المثالي وعدت لإكتساب الوزن لأن مشكلاتي الصحية لم تنتهي، لكنني الأن أكثر إدراكًا عما مضى، فلا أجلد نفسي وصرت أعطيها قدرها، وأسامح أبي. وأسامح نفسي أولاً.

كرامة مهدرة

لطالما تساءلت عما وراء نظراتها الحزينة، نظرات صامتة وسوداء. خادمة منزلية أحضرتها أمي لتساعدها في اعمالها المنزلية والتنظيف. لم تكن تثرثر كثيرًا، حتى لم تكن تطرح العديد من التساؤلات كمثيلاتها من الخادمات. لم تكن عيناها جارحتان لتفاصيل المنزل أيضًا. كانت فقط تأتي وتنظف وتقوم بمهامها وترحل. شيئًا فشيئًا اعتدنا عليها وصرنا نطلب منها أن تنظف منازلنا أيضًا وفي تلك الأيام البسيطة التي أتت لمنزلي راقبتها عن كثب. كانت تتجاذب أطراف الحديث مع والدتي فقط وعندما أوجه لها مديحًا ترد على استحياء.
على مائدة الطعام جلسنا نتناول الفطور سويًا، تأكل ببطء وتنظر بحزن. وإذا مازحتها أمي تضحك بخجل وتصمت. لم أفهمها مطلقًا. فالسابقات كن مفعمات أكثر بالحيوية. كن يتكلمن كثيرًا يحكين عن مشكلاتهن بوفرة. يتدخلن في كيفية ترتيب المنزل وعن الطرق المثلى لفرش السجاد وتلميع النجف. هي فقط تعمل في صمت وببطء شديد وأحيانًا تصاب بالتعب سريعًا وأحس ذلك في حركاتها الرتيبة في التنظيف حين تلمع شيئًا أو تكنس الأرض او تنفض الغبار.
ذات يوم جلست أمي وحكت لي قصتها الصغيرة، فتاة ريفية من عائلة متوسطة الحال خريجة جامعية ذات حلم صغير في الزواج والإنجاب كسائر البنات. أوقعها حظها العاثر في رجل ذو تعليم متوسط وأنجبت طفلين. هرب يومًا ما مع فتاة أخرى أصغر سنًا بكثير ووقعا في الخطيئة وحكم عليهم كبار القرية بالنفي من المحافظة لمدة سبع سنوات هو وزوجته الشرعية وطفليه وعشيقته. لم يقف أحدًا من أهلها للدفاع عن كرامتها ولا لتربية أطفالها ولا لإيواها. نزحت معه للقاهرة وبدأت تعمل بالبيوت كخادمة وهو كحارس عقار وتم تحرير عقد زواج عرفي لزوجته الثانية حتى تبلغ السن القانوني للزواج الشرعي. زوجها لا يحبها الآن بالطبع ويراها فقط كمصدر للدخل اليومي وهي تصرف بالكامل على البيت وعلى الأطفال وعلى زوجته الجديدة وعلى الطفل الجديد.
لم تعد تعمل تلك الخادمة لدى أمي الآن، لكنني لا أنسى نظراتها أبدًا، تلك المرأة كانت مكسورة وكانت في أعمق أعماق بؤر الإكتئاب. عندما مررت بالإكتئاب أنا الأخرى صرت أميز بشدة من يحمل بعينيه إكتئابًا – ليس حزنًا عاديًا- بل إكتئابًا.
كلما أتذكرها وأتذكر وهن جسدها، قلة شهيتها، نظرة عينيها، قلة نشاطها وأتذكر قصتها، تتردد بداخل قلبي رغبة قوية في العودة بالزمن لأراها وأحتضنها لأخبرها "أنا أشعر بك".
قررت تلك الخادمة يومًا أنه (كفى)، تركت أطفالها لزوجها والزوجة الثانية ورحلت. لم نعرف عنها شيئًا سوى أننا نرى أطفالها في طرقات الشارع يتجولون بلا أدنى إهتمام ومتسخين. فجأة عادت مرة أخرى، جاءت لمشاركة أمي كوب من الشاي وتطلب عملها السابق، اعتذرت أمي بلطافة أن هناك أخرى تشغل مكانها ولا يمكن استبدالها الأن بعد أن اعتمد دخلها على ما تعطيه إياه أمي. سألت أمي لاحقًا بكل عصبية وغضب:"لماذا عادت تلك الحمقاء؟ كنت أظنها ثارت على كرامتها المهدرة واستجمعت قواها"، ردت أمي بسخرية دون النظر إلي:"عن أي كرامة تتحدثين حين يتجول أطفالك اللطفاء الأحباء في الشوارع وهم مصابون بنوع من الجرب بسبب عدم الأستحمام لأسابيع وقد تكون شهور"، أصبت بصدمة فتابعت:"لم تهتم بهم زوجة أبيهم الثانية قط"، "أخبرها ولاد الحلال أن ضرتها تركتهم هكذا دون استحمام أو طعام أو حتى تسريح للشعر"، "المساكين أصيبوا بالجرب، عادت لتجد نوعًا ما من الفطر الأسود على جلدهم لا يغسل بالماء".
ثم ختمت أمي الحديث "عن أي كرامة تتحدثين وهي تملك أطفالًا".
كان هذا كفيلًا بأن أصمت وأكتفي بالغرق في أفكاري.

السبت، 7 مايو 2016

اكتئابي ودموعي


لقد تعبت وانهكت روحي تماما، لم يعد هناك شيئا بداخلي أو حتى بالخارج.
كل من يراني يعرف أنني تغيرت وتحولت هيئتي ونفسيتي ويسألني بكل بساطة: "ماذا بك؟" .. ( لا شئ) أرد بأبسط مما سألوني.
لقد تآكلت حياتي بفعل الاكتئاب الذي لا أدري متى اقتحم حياتي وفعل فعلته الشنيعة هذه. 
أصبح كل شئ أسود وقاتم وبلا هدف وبلا أهمية.
استيقاظي من النوم أصبح بمعجزة حقيقية .. أغفو كل ليلة متساءلة عما إذا كنت سأستيقظ من الأساس وإن كنت احبذ هذا أصلا.
لا أريد أن اواجه يوما جديدا. كلا! لا طاقة لدي.
أريد أن أموت. لا أريد أن اواجه هذا اليوم. لا أريد أن اقرر ماذا علي ان أطبخ اليوم أو هل علي تنظيف المنزل أو نشر الغسيل أو تطبيقه. أشعر بمنتهى التعب وبقمة الارهاق.
كل نفس يخرج من جسدي، يخرج متألما ويؤلم جزءا ما في روحي بداخلي .. كل حركة تشعرني بالضعف أكثر فأكثر.
مازلت احاول إقناع نفسي بالنهوض .. أحاول جاهدة إيجاد سببا للبقاء .. سببا للحياة وللعيش.
أخبر نفسي أن هناك إبن لي .. يجب أن يحيا حياة صحية وكريمة مع أما نشيطة وغير كئيبة ومنظمة .. فانهض واضع قدماي على الأرض .. فيصرخ عقلي، لماذا تحركتي؟!! .. لا شئ للحياة .. فاتكور مرة أخرى على نفسي في السرير.
يصدمني أنني لا أقو حتى على الحركة. حتى التمرينات الرياضية تخليت عنها. فقدت قدرتي التامة على القيام بأي نشاط بدني.
تتسرب من حياتي كل الأشياء الجيدة وانا أنظر لها ولا أفعل أي شئ يذكر.
الرغبة في بعض من البكاء الجيد الشديد كثيرة هذه الأيام. أرغب فقط في أن أبكي وأبكي وأصرخ وأن أشعر بقلبي يرتجف بداخلي من ألم البكاء وأن أسمع صوتي يتأوه من الألم .. أن أكلم نفسي من الألم والحزن .. أجلس وأبكي وتتألم أوصالي وتدمع عيناي ببحار من الدموع الغزيرة من شدة البكاء .. وحينما أنتهي أستقر بمكاني بلا أدنى حركة.
اتوجه بدعائي إلي الله، ادعوه كثيرا أنني ضعيفة وروحي هشة لا تقو على تحمل كل هذا. لقد تعبت يا إلهي. فارحمني وساندني. القوة تأتي من عندك يا إلهي. روحي لا تحتمل المزيد. احطني بعطفك ورحمتك يا رب. أنت تعرف يا رب انني حاولت رغم فشلي .. فسامحني لو اخطأت.
احضرت نتيجة حائط خصصتها للمزاج الخاص لي فكلما شعرت بالضيق أو القلق أو اضطراب المزاج او السعادة أو اعتدال المزاج .. اسجل كل هذا في النتيجة، اتمنى أن تحقق ما أريده منها وأن تجعلني أحصر حصيلة ما أشعر به أسبوعيا.

لماذا نكره أجسادنا؟




إنه يحيط بنا حتمًا، إنه ذلك الكره والضيق والتأفف ونظرات عدم الرضا. لطالما كان يرهبني أن أستيقظ يومًا لأجد بثرة جديدة على وجهي تتحداني أن أطل بوجهي الكريم في أي مكان أو أن تفاجئني طفرة هرمونية أخرى وتنتشر حبوب على ظهري كما حدث أثناء فترة الحمل وبداية الزواج، وتارة أكسب وزنًا بسهولة كأنني كنت أكل أكواب من السكر طيلة اليوم وتارة أخرى يتقصف شعري أو يتساقط كأنني على مشارف صلع مبكر وتراودني تلك الهواجس أن أسلم حل جذري هو حلاقة رأسي بالكامل (زلبطة).
ثم أقضي وقتًا طويلا افكر كيف اتخلص من تلك الكيلوجرامات والبثرات والتقصفات، وأنفق من وقتي ومالي الكثير في حلول مفيدة تتناسب مع مسعاي. أنظر للمرآة مطولة واملأ رأسي بالأفكار السلبية "أنت لست جميلة" "كيف ستخرجين بهذا الشكل"، أعزف عن شراء ملابس جديدة حتى لا أصاب بخيبة أمل. تلك المرة اتجنب المرآة، لا أريد أن ارى انعكاسي ولا شخصي ولا وجهي ولا بطني ولا شعري. أمر على كل مرايا البيت مرور الكرام بلا أدنى نظرة.
أذهب لصالون التجميل وأظل مطرقة برأسي لفترة طويلة متجنبة النظر في متحف المرايا من حولي حتى تأتي الفتاة لتسألني عم أريد فعله اليوم وأجيبها باقتضاب. نتجمع كصديقات أو كأخوات ونهم بالتقاط صور فاحاول بشتى الطرق أن أكون أنا المصور، وإذا حدث وتصادف وجودي بالصور أشعر لدى رؤيتي بالسخف، وتنتابني ذات الأفكار السلبية " كم أنا سخيفة" "لماذا أبتسم بتلك الطريقة" "جميعهم يبدون أظرف مني"، امتلك مشكلة ما في وضع صورة لي في مواقع التواصل الاجتماعي، لا أحبذ رؤية وجهي طيلة الوقت أمامي يبتسم بحماقة.
اتذكر العديد من الصديقات اللواتي أتين لي كما أتين لغيري من صديقاتهن يستفسرن "هل تلك البثرة ملحوظة ام لأ" ، "هل تلك الحبوب تشوه وجهي"، "هل ترين أنني زدت في الوزن"، "هل شكلي جيد اليوم"؟.
لكنني اتذكر بقوة فتاة ما بمدرستي في مرحلة الثانوية العامة، كانت زميلة ولا اتذكر أسمها أيضًا، لكن موقفها منطبع بذهني إلي تلك اللحظة اصيبت تلك الفتاة بمرض نشر تقرحات غريبة على شفتاها، لا اعلم ماهية شكل تلك التقرحات، هي فقط ظهرت ذلك اليوم تغطي شفتيها بمنديل وتتحدث مع الجميع بشكل طبيعي، وعندما تفاقهمت الحالة وضعت ما يشبه الكمامة لفترة طويلة امتدت لشهر تقريبا او أكثر. لم تغب يومًا، لم تكشف لأحدًا عن مرضها ولا عن شكل تقرحات شفتيها، كانت تسير باعتداد رغم وجود تلك الكمامة، كان من الممكن أن تأخذ إجازة مرضية وتختبئ بالمنزل ترثي حالها ولكنها لم تفعل وحينما قاربت على الشفاء وتركت التقرحات علامات طفيفة نزعت الكمامة وسار كل شيء على ما يرام. أما عني فلقد حسدتها على قوتها.
اذكر أيضًا حوارًا تلفزيونيًا في برنامج "آوبرا وينفري" الشهير مع "مايكل جاكسون"، وفي خضم الحوار والذكريات عرضت له صورة وهو طفل يغني في فرقة "جاكسون فايف"، الغريب والمدهش أن "مايكل" اشاح بوجهه كأنه لا يريد رؤية وجهه القديم. إنه يكره وجهه لهذه الدرجة. كان يحاول جاهدًا تغييره بشتى الطرق حتى تحول لمسخ غريب حتى أنه بعد التغيير لا يحبذ رؤية وجهه وشكله السابق. هو كان مريضًا باضطراب تشوه الجسم، هو من اضطرابات القلق حيث تسبب للمريض النفسي نظرة مشوهة عن جسده وكيف يبدو ويقضي الكثير من الوقت في القلق بشان مظهره.
لا أعلم هل تخطيت الشعرة الفاصلة بين انعدام الثقة بالنفس واضطراب تشوه الجسم، لكنني لا أريد أن اتخطى هذا الحد الفاصل؟
لست هنا لأحل مشكلة ما أكثر من كوني أفرغ عن مكنون صدري.