الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

كل شيء على مهل وروية أفضل



نهرب من حمى العمل والمسئوليات الروتينية اليومية في فسحة من الوقت لمنزل أبي الصيفي، نصل مبكرًا جدًا أحمل في يدي حقيبة ممتلئة بكتب بها كل توقعاتي عن كيفية قضاء صيفي لهذا العام. أنا أحب الصيف، لطالما يحمل لي الصيف ذكريات حميمية عديدة، في حين يذكرني الشتاء بالمدرسة والجاكت الثقيل والأصابع المحمومة المخيفة والمشروبات الساخنة ونزلات البرد. أشعر أن الناس لا يقدرون قيمة الصيف، قيمة التحرر من الثقل والغيوم والرماديات. قيمة الشمس والدفء والمشروبات المثلجة والأيس كريم والبحر. 
أمتننت كثيرًا لشراء أبي منزلًا صيفيًا. هنا سنصنع المزيد من الذكريات لنا ولأبناءنا وبناتنا. وضع أبي في كل ركن من البيت لمسته المفضلة، الكثير من اللوحات الفنية المؤطرة للورود .
في فترة تجهيز منزلنا الصيفي، شرعنا كلنا يدًا بيد ننظفه معًا، ونصنفر الحوائط وأبي يقوم بطلاءها جميعًا باللون الأبيض. كنا في نشوة غريبة حتى انتهينا من تجميع أخر قطعة أثاث ثم تساقطنا بعدها جميعًا في نوم عميق حتى اليوم التالي. 
كلما اتخذنا القرار بالسفر إلي هناك، أشعر بالراحة الحقيقية، فكل شيء هناك بطيء جدًا، استيقظ مبكرًا واحضر فطوري أجد الساعة مازالت أبكر من أن تقوم بأنشطة ما، على عكس ما يحدث في حياتي اليومية كل شيء يمر سريعًا، حتى أنني حينما أتجهز للدخول لمطبخي، أكون مندفعة بنفاذ صبر، أضع مريلتي وأرفع شعري وأضح الضنجرة على الموقد، أجري في كل أنحاء المطبخ محدثة جلبة شديدة، تطول يدي علبة الملح ولم أعد استخدم المعيار الصغير أو حس الطبخ لدي، صرت امسك حفنة ما وانظر إليها وألقيها دون أن أعيي هل هي مناسبة أم كثيرة أم هي ملح أصلا. المكرونة بصلصة السكر صارت غذاء رئيسيًا في بيتنا، يصيح بي إبراهيم "الصلصة مسكرة إزاي كده" أهاااا لابد أنني وضعت سكر بدلًا من الملح. ماذا على أي أفعل وطفلي يصرخ أو هناك مكالمة تتنظر الرد أو ميعاد وصوله قد حان أو أي شيء يحثك على ألا تكون بكامل تركيزك. لقد فقدت الكثير من تركيزي بعد طفلي الأول. ولا أدري ماذا سيحدث إن أنجبت الثاني.
نافذة مطبخ منزلنا الصيفي تطل على شارع واسع وصف عريض من المنازل الصيفية الأخرى التي ترصف الطريق حتى نرى البحر في نهايته.
حينما أقف صباحًا قبالة النافذة يأتي نسيم البحر بقوة محدثًا صخبًا خفيفًا في أذني، ذلك الإندفاع القوي ولكنه محبب الذي يلمس وجهي ويبعثر شعري ويتركني في حالة أشعر فيها كأن النسيم قد قام بدور الماء في غسل وجهي هذا الصباح.
من هنا، من هذا المكان بالضبط كل شيء يبدو أجمل، تقطيع الخضروات يبدو مهمة لطيفة وملهمة وتدعو للتأمل. غسيل الصحون يتحول لعملية منعشة برائحة عطرة صيفية. أخذ الوعاء العميق للتتبيل شرائح الدجاج وأضعه على الطاولة الجرانيت الموازية لحوض الصحون وابعثر التوابل كيفما أشاء فتهب نسمات الهواء معبقة برائحة التوابل والليمون، وقتها أشعر أنني أقوم بعملية تدليك "مساج" لصدور الدجاج المخلية، يمضي الوقت بطيئًا. لا عجالة هنا. لا شيء يحثك على الاستعجال والسرعة، لا تكات للساعات ولا مواعيد مؤجلة. هنا أسترخي تمامًا وأنا أغوص بأصابعي اداعب تتبيلة الدجاج موجهة عيني قبالة النافذة اتشمس واستمتع بالنسيم مغمضة العينين.
يحين موعد الغداء، فيأخذ إبراهيم أول قضمة من صدور الدجاج المشوية ويقول بإستمتاع "يياااااااااااه أجمل فراخ مشوية كلتها ف حياتي"
أبتسم بسعادة وبإمتنان لنسمات البحر وأردد بداخل عقلي أن حقًا "كل شيء على مهل وروية أفضل"